Interview #6: العيش في زمن الحرب، أو اللعب مع القدر

  • حلول انقطاع المياه والكهرباء: بطارية السيارة وحوض الاستحمام

    أثناء اختبائه في المنزل كان يجتمع مع أولاده في غرفة واحدة، يفرشون بعض الفرشات على الأرض ويتابعون الأخبار عبر تشغيل الراديو أو التلفزيون على البطارية. ظل يستعمل البطارية فترة طويلة حتى اكتشف أنّ التّلفزيون يعمل على الـ ups. فكان يشحن البطارية التي يشغّل التّلفزيون بها بواسطة سلك كهربائيّ يصله بمولّد موجود في المبنى الّذي يسكن فيه.
    كان يحصل على المياه من الخزانات الأرضيّة فيحملها إلى الطابق السابع ويفرغها في حوض الاستحمام، وذلك بسبب عدم إمكانية وصول المياه إلى الطوابق العليا من المبنى، فكانت زوجته تغسل بطريقة تقليدية أي يدويّاً.

  • السكن الاضطراري على خطوط التماس

    إبن مدينة بيروت، كان يبلغ من العمر 23 عاماً عندما بدأت الحرب، وكان يعمل في شركة الخطوط الجوّية السّعودية. سكن منطقة رأس النّبع التي تقع ضمن خطوط التماس، أو الخط الأخضر الّذي درات فيه الحرب، عاش فيها قبل الحرب وتزوّج بعد حرب السنتين ورُزق بولدين، وقرر البقاء في المنطقة ذاتها لأنه اعتقد أن الوضع قد تحسّن. لكن الأمور ما لبثت أن تفاقمت.
    كان قليل التنقل ولازم منزله ولم يتهجّر منه، رغم أن سكان البناء الآخرين اضطروا إلى تركه بسبب القصف العشوائي. استهدفت البناية مرات عديدة وكان ينزل إلى الملجأ عندما يشتد القصف. الملجأ الذي اختبأ فيه كان يضيق بالمعدات، فيلتجئ إليه مع عائلته فقط. لم يترك منزله إلا في حالات قليلة، كسنة 1989 زمن حرب التحرير. نتيجة القصف الشديد. تهجّر إلى منطقة برج أبي حيدر البعيدة قليلاً عن خطوط التّماس.
    يصف بقاءه طوال فترة الحرب في منزله بأنه عمل المجنون، لكنّه يستدرك أنه لا يعلم إذا خرج من المنزل متى يعود إليه. كان يختبئ في المنزل عندما يحدث القصف ويقفل الجهات المطلة على القصف.
    كان يتوجه إلى عمله سريعاً، ولا يتوقف أثناء ذلك لحظة واحدة عن سماع الراديو في السيارة ويعود أدراجه إذا علم بتجدد القصف. ويقول إنه تعرض لمخاطر القصف في العديد من المرّات في طريق العودة للاطمئنان على عائلته.

  • الاطمئنان على الأهل

    الرّاديو كان وسيلة الاطمئنان عن حال الأهل، لكنّها لم تكن كافية فكانوا ينتظرون مجيء أحدهم من منطقة سكن الأهل ليطمئنهم عن حالهم. يقول إن المسألة كانت صعبة وشكلت مشكلة بالنسبة لهم بسبب عدم توفّر وسائل للاتصال، أو بسبب عدم إمكانية الذهاب إليهم. فلم يهدأ له بال إلا عندما خرج أهله من بيروت وانتقلوا إلى منطقة أخرى.

  • إرسال الأولاد إلى المدرسة: لعبة مع القدر

    كان يخاطر بحياة أولاده عند إرسالهم إلى المدرسة عند توتر الأوضاع، لأنّ مسألة الحياة والموت غير مضمونة. فقد يلازمون المنزل ويصابون فيموتون فيكون ذهابهم إلى المدرسة نجاة لهم من الموت. لكنّ قلقه كان يدفعه إلى الانتظار طويلاً أمام باب المدرسة مترقّباً، فقد يحدث أمر مفاجئ.

  • أثمان المياه والغاز والبنزين

    بسبب الوسواس الذي كانت تعانيه زوجته بالنّسبة للنظافة، اضطر لتحميل المياه مرات ومرات، لا يشكو كثيراً من عدم توفّر المياه لكنّها كانت تنقطع في بعض الأيام.
    كذا الأمر بالنسبة للبنزين، ويذكر أنه اشترى صفيحة بثمن مضاعف 20 مرة لأنه كان يريد الهرب.
    أمّا الغاز فقد كانت أسعاره خيالية، لكن ما أسعفه وقتها هو توفّر الأموال اللازمة لسدّ الحاجات، فرغم ارتفاع الأسعار فإنه كان باستطاعتهم شراء السلع آنذاك.

  • الحالة الماليّة

    يعتبر أنّ الحالة الماليّة كانت جيّدة مقارنة بما هو عليه الحال اليوم، فكانوا يحمّلون الكثير من الحاجيات إلى الملجأ في حال حدوث القصف. لم تتأثر حالتهم الماليّة كثيراً في الحرب وكان يشتري كل ما يحتاجه من أشياء. لكنّه كان ينتظر كثيراً على أبواب الأفران للحصول على الخبز.

  • الإصابات طالت المنزل والوالد وفرح الأطفال

    مرضت والدة زوجته فاضطر مسعفو الصليب الأحمر إلى الانتظار في المنزل لفترة بسبب القصف حتى تمكنوا من نقلها إلى المستشفى. أصيب والده إصابات طفيفة بعد سقوط قذيفة على مقربة منه. استهدف القناص زوجته لكنه لم يوفّق في إصابتها وقد تكرّر الأمر أثناء نشرها للغسيل أو جلوسها مع ابنتها في المنزل.
    تضرر المنزل الذي يسكنه كثيراً بسبب انفجار شاحنة مفخّخة استهدفت الفرنسيّين في منطقة رأس النبع.
    لم يحتفل بالأعياد، ولم يشعر أن لها وجوداً في الرزنامة، وأكثر من تأثر بالأمر هم الأولاد بسبب انعدام الاستقرار

  • التقوقع سبب الحرب ونتيجتها

    لم يتوقف عن التّجول في جميع المناطق حتّى في أوقات المعارك، و مرّ بين شطري العاصمة وكان ينتظر ساعات من أجل ذلك. كان يتوجّه إلى أصحابه في شاليه في منطقة عمشيت ويسهر في الأشرفية. يعرف جيداً المناطق اللبنانية ويقول إنّ مساحة لبنان كبيرة لكنّ مواطنيه لا يعلمون لأنهم يتقوقعون في مناطقهم. فابن الأشرفيّة لا يعرف غيرها وكذلك بالنسبة للسّاكن في البقاع أو الجبل أو المناطق الأخرى، فلم يسمعوا بالمناطق المقابلة إلا في كتب التّاريخ.
    يعتبر أنّ تقوقع اللّبنانيين في مناطقهم وطوائفهم وعدم معرفتهم بالآخر أهم أسباب نشوب الحرب ونتائجها.
    وحول هذه المسألة يقول إنّ النّاس كانت تعتقد أنّ أبناء المنطقة الغربيّة لا يشبهون الآدميين في أشكالهم، وذلك بسبب الجهل بالآخر.
    إنّ على اللبنانين أن يعيشوا معاً ولا يتّبعوا سياسات الزعماء الّذين كرّسوا الانقسام.

  • الحرب اختصرت عمره وعمر أولاده

    خسر عمره في الحرب، فقد ضاعت أهمّ فترة من عمره دون أن ينتبه. لا يذكر منها سوى انقطاع المياه والكهرباء، وحمل الأغراض، إيجابيّة تلك الفترة هي أن أولاده كبروا دون أن يشعر بذلك فلم يحمل همّهم كثيراً.