Interview #7: الحرب بعيون مدرّس
-
الحرب مناسبة للهو والتسلية
قضى فترة كبيرة من حياته في الحرب، ولم يشعر بقبحها إلا عندما هاجر خارج لبنان. تعلّم أن يأخذ الجوانب الجيدة منها على الرغم من ندرتها، فكان التوجّه إلى الملجأ مناسبة لملاقاة الجيران ولعب الورق والتسلية وملاحقة الفتيات، على الرّغم من القصف خارجه. فقد ساهمت الحرب في تقريب الناس بعضها من بعض.
كانوا يتوقعون الأوقات التي يمكن أن يتجدّد القصف فيها، ويهيئون أغراضهم تحسّباً.
كانوا يحتفلون بالأعياد في حال توقف القصف، فكانوا يذهبون إلى الملاهي والكازينوهات أمّا في الحالات الأخرى فقد كانوا يسهرون حول لعب الورق. كانوا ينتظرون هدوء الحال حتى يطمئنوا على أقاربهم، فيتوجهون إليهم لقرب سكنهم.
ويخلص إلى نتيجة مفادها أن الحرب فرضت عليه ولا بدّ أن يتعايش معها. -
يلاحقه القصف أينما ذهب
كان يبلغ من العمر 13 عاماً عندما بدأت الحرب. سكن منطقة البوشرية. وكان لا يزال تلميذاً وقتها و لم يذهب إلى المدرسة في أوقات القصف. لم تتهجّر العائلة بالكامل من المنزل، فقد بقي هو فيه خوفاً من الاستيلاء عليه كما حصل مع آخرين.
أدت المعارك إلى تقليل فترة التّدريس حتى وصلت إلى ثلاثة أشهر فعلية في السنة، فاحتسبت سنتهم الدّراسية مضاعفة. وكذلك الأمر بالنسبة للجامعة. ويروي حادثة يصفها بالمضحكة المبكية. فبينما كان متواجداً في الجامعة، الواقعة في المنطقة الغربية، بدأ القصف فبقي فترة هناك، وبعدها توجه إلى الأشرفية، وما إن وصل حتى تجدّد القصف فقبع في الملجأ فترة تجاوزت الثلاث ساعات. وبعد أن غادر الملجأ مشى قليلاً حتى باغته القصف فاختبأ في الملجأ وهكذا دواليك. حتىّ وصل إلى المنزل في ساعة متأخّرة من الليل. يقول إنّ المضحك المبكي في الأمر هو نجاته من القصف في شطري العاصمة في اليوم نفسه. وعندما عاد إلى المنزل تصرّف على أساس أنّ شيئاً لم يكن. -
المرور على الحواجز والخوف من رمضان
عن التجارب على الحواجز والمرور إلى جزء العاصمة الآخر، يذكر أنّه خلال فترة نشوب حرب الجبل نصبت الحواجز مجدداً، بعد إزالتها نتيجة لفترة الهدوء قبل ذلك. اضطر إلى العبور على حاجز نصبته حركة أمل عند معبر البربير. وكان جواز مروره شراء جريدة تصدرها الحركة. ويتذكر أنّ مدير جامعة الحكمة خطف أمام أعينهم هناك. كما تمّ توقيفه عند حاجز في منطقة المتحف. فاستجوب لفترة تعدت النصف ساعة. وقتها سألوه عن دراسته وعندما علموا أنه يدرس الهندسة حاولوا إخافته بتوجيه تهمة له على اعتبار أنّه يبني ما يهدمون . خاف كثيراً وقتها وصمت. بعدها أخلوا سبيله.
يذكر أنه كان يشرب العصير بمرافقة أصدقائه في المنطقة الغربية، وفجأة تنبّه أنهم في شهر رمضان، فخاف من ردّة فعل أبناء المنطقة فترك الكوب على عجل حتى لا ينتبه أحد بأنه مسيحي. -
تأمين الحاجات الأساسيّة بمساعدة عنصر من القوات
لم يعانوا الكثير في الحصول على الحاجات الأساسية، وذلك بسبب قرب المحلات وانتشارها في الحيّ، وكان يذهب إليها سيراً على الأقدام. وقد يتقاسم مع إخوته مهمّة شراء الحاجيات. أمّن ابن عمهم المنتمي إلى القوات اللبنانية الحصول على بعض الحاجيات، فكان يأتيهم بالخبز عند زيارتهم، وذلك لأن مركزهم خولهم اختراق طابور الخبز بالقوة والحصول على كميات من الخبز. يذكر أيضاً حادثة تعرضه لإطلاق نار بينما كان متوجهاً إلى الدورة لشراء قارورة غاز، فعاد أدراجه دون شراء القارورة.
يشير إلى ازمة انقطاع المياه فكانوا يستعيضون عنها بتجهيز شاحنة صغيرة لتعبئة 1000 ليتر منها وتوزيعها على الحيّ. كانوا يحصلون على المياه بسهولة إذا حدث القصف.
أمّا عند توفّر المياه فقد كان مضطراً إلى حملها بواسطة الغالونات إلى المنزل. واجهوا انقطاع الكهرباء باستخدام المولّدات، وقد اضطرهم انقطاع البنزين إلى استعمال البطاريات.
كانوا يتوجهون في حال هدوء القصف إلى محلات البقالة سيراً على الأقدام أو يستقلون السيارة في الحالات الأخرى.
يصف الحياة بالطبيعية في الفترات الفاصلة بين المعارك، ويعود سبب تقطع فترات القصف إلى عدم قدرة الدول الممولة للحرب على تحمل أعباء الحروب المتواصلة. -
الحرب وضحاياها غير المباشرين
الصّورة التي رسخت في ذاكرته هي صورة الجرحى حين شاهدها في المستشفى الذي نقل والده إليه عند إصابته بذبحة صدرية، حيث تواجدت في الغرفة ذاتها امرأة تقطعت أوصالها وهي على وشك الولادة فوضعت مولودها بسلام من ثم ماتت.
لم يقتل أحد من أقاربه. يعتبر أنّ الذبحة التي ألمت بوالده ومات بعدها إحدى نتائج الحرب، كما الحال بصديقه الذي مات بحادث سير أثناء محاولته الهرب من القصف. -
التدريس وتوقّع حرب الإلغاء
بدأ التدريس في مدرسة برج حمود في العام 1988 وعاين عن كثب الاصطفافات الحزبية والنقاشات الحادة التي كانت تدور بين الطلاب في الصّف. لذا توقّع وقوع حرب الإلغاء بين ميشال عون وسمير جعجع.
-
لا يشعر المرء ببشاعة الحرب إلا إذا خرج منها
لم يع حقيقة الحرب المخيفة لأنه كان يعيشها، فالأمور لا تكشف على حقيقتها إلا بعد الابتعاد عنها. وبناء على حقيقتها المخيفة هذه يتمنّى أن لا يعيش أولاده الحرب ولا الأجيال القادمة. فهي تفرض على الإنسان العيش في غيتوات، في حين أنه يجب أن ينفتح على الآخرين. فهو لم يتعرف على جمال لبنان إلا بعد أن خرج من منطقته وأحس بقيمة الحياة فيه.
-
أساطير القتل تدور في رأسه أثناء تنقلاته
عندما يتجوّل في المناطق اللبنانية لا يستطيع أن ينزع من رأسه الحكايات التي نسجت عن الآخر ووحشيته. فقد كان يقال له في السابق إن أهل الشمال يلعبون كرة قدم برؤوس مقطوعة، كما تتبادر حرب الجبل إلى ذهنه عندما يتوجّه إلى الشوف. وهكذا الأمر بالنسبة لطريق المطار.
-
يجب على الجميع الخروج من الغيتو
أغنت الحرب تجاربه وتعرف فيها على الآخر فبنى علاقات معه. وأدرك أنّه لا يجب على الإنسان أن يعيش في غيتو مغلق، بل أن يتعرف على الآخرين ويبني معهم العلاقات، بغض النظر عن ديانتهم. يقارن واقع الحال بالنسبة لدور الطائفة في الحصول على فرص العمل في لبنان وما لمسه في فرنسا حيث حصل على وظيفة بناء على كفاءته وليس بسبب انتمائه إلى الطائفة الأرمنية كما هو حاصل في لبنان.