Interview #8: طالبة بين خطوط التماس والمدرسة
-
السكن والاختباء
على الرّغم من أنهم عاشوا في المزرعة، في منطقة ذات صفاء مذهبي، إلا أنهم شعروا بخوف دائم من احتمال هجوم المسيحيين عليهم.
وكانوا يختبئون عند حدوث القصف في إحدى الغرف الآمنة في المنزل، أو التي اعتقدوا أنها كذلك. كما كانوا ينزلون إلى الطبقة الأرضية التي جهزوها بأكياس رمل للحماية من القصف.
تزوجت أثناء الحرب، في فترة هادئة منها، وتذكر أن المعارك كانت متقطعة، فكانت تتوقف حيناً وتتجدد أحياناً أخرى، كما حصل في العام 1981 حيث هدأت الأحوال حوالى السنتين، لكن مع بقاء مظاهر الحرب جليّة من قطع للطرقات وتواجد للمسلحين. -
خطوط التماس والمدرسة
إبنة قضاء جزيّن كانت تبلغ من العمر 16 عاماً عندما بدأت الحرب، سكنت منطقة المزرعة، واضطرت للتوقّف بداية عن الذهاب إلى المدرسة بسبب المعارك لوقوع مدرستها في المنطقة الشرقية. بعد فترة، انتقلت للسكن مع أخيها عند أخوالها في منطقة عين الرمّانة حتّى لا تضطر لعبور خطوط التماس. وقد اعتاد الأهل المرور للاطمئنان عليها هناك كل أسبوع. وتنقلت هناك بواسطة الباص المدرسي.
احتسبت السنة الدراسيّة مضاعفة، كما تعطّل إجراء الامتحانات الرّسمية بسبب المعارك، فحصلوا على إفادة مدرسية بدلاً من الشهادة الثانوية.
عندما كانت تتوجّه إلى الجامعة كانت تتجنّب المرور بشارع هوفلان لأنه مسرح للقنص، وتذكر أنها هربت من الجامعة بسبب القصف، فاختبأت في منزل أحدهم، من أبناء قريتها، لتجد أخاها هناك. فبقيا عنده فترة من الزمن حتى هدأ القصف. -
تجنب المعرفة بالحرب
وضعت جميع أولادها في الحرب، وتذكر أنّ أصغرهم ولد في المستشفى لكنها اضطرت إلى الاختباء في الملجأ بعد وضعه مباشرة، فلم تأخذ فترة راحة لأن الظروف لم تكن تسمح بذلك.
لم تخبر أولادها شيئاً عن الحرب، فهم اليوم لا يتذكرونها حيث إنهم لم يعيشوا سوى فترة قصيرة منها. ولكنهم تعرفوا عليها بواسطة وسائل الإعلام. كما لم يتحزّب أيٌّ من أفراد عائلتها. -
صعوبات العيش
عانوا من فقدان المواد الغذائية من الأسواق وخاصة الخبز، فكانت أمها تنتظر حوالى خمس ساعات من أجل الحصول على ربطة خبز واحدة. كما قام بعض الجيران بتحضير الخبز في المنزل. كي يتجنبوا الانتظار أمام الأفران. وقد وُزعت المساعدات للناس بموجب نظام تسجيل الأسماء، حتى لا يحصل أحد على أكثر من حاجته.
الانقطاع الدائم للكهرباء، وخاصة في اللّيل، جعلهم يستعيضون عنها بإضاءة الشموع وذلك لأن المولّدات لم تكن متوفرة حينها. فكانوا يتجمعون ويتحدثون ومعظم أحاديثهم تدور حول موضوعات السياسة.
كما عانوا نقصاً في المياه فكانوا يحفظونها من أجل الاستحمام والاهتمام بالنظافة. أمّا عن سكان الطبقات العليا فكانوا ينتظرون الحصول على غالون واحد منها ممّن توفرت لديه من الجيران.
وتكبدوا العناء من أجل الحصول على حليب الأطفال. فتذكر يوم ذهبت والدتها للبحث عنه في بشامون وضهور الشوير، وبعد خس ساعات من البحث حصلت على علبة واحدة. -
خراب الدكان ثمنه إهانة
تهدّم دكان والدها الواقع في وسط بيروت في الحرب. ما اضطره إلى فتح دكان في منطقة الأونيسكو، وأوجب عليه المرور يومياً بحاجز للجيش السوري، مع ما يعنيه ذلك من تعرض للإهانات وللسرقة. وكان يواجه الأمر بعزيمة صلبة.
لم يتعرض أحد من عائلتها لمكروه في الحرب، كما أنها لم تخرج من منزلها في فترة القتل على الهوية. -
الأعياد بصوت منخفض
لم تحتفل بالأعياد، فالظروف الأمنية وحالة الناس النفسية لم تسمح بذلك. فكانوا يستغلون تلك الفترة من أجل السهر وتبادل الأحاديث، فيخفضون أصواتهم لسماع أصوات القذائف لتحديد مكان سقوطها. الاطمئنان على الأهل يتم عبر أشخص يحملون أخباراً عن أحوالهم، وذلك لأن خطوط الهاتف غير متوفّرة.
-
إحتلال المنازل ضرورة إنسانية
إحتل المهجرون المنازل في قريتها ، وقد شعر سكان القرية بمصيبتهم وأدركوا أنه لا مكان يلجؤون إليه فلم يمنعوهم من احتلالها.
وتذكر مقتل أحد تلامذة مدرسة المون لاسال، وعندما أراد الأهل دفنه لم يستطيعوا الوصول إلى منزلهم بسبب تواجد المهجرين فيه.
تعرضت المنطقة التي تهجرت إليها في الجبل للقصف بسبب وقوع منزلها إلى جانب السفارة الأميركية. -
أثر الحرب: هجرة وتفكك عائلي
أثرت الحرب عليها كثيراً، فقد شعرت معها بأن كل ما يجري حولها، مهما كان صعباً، تبقى وطأته عليها أقل بكثير مما كان يجري في الحرب من قصف خراب. فهي اعتادت على فكرة الحرب لأنها عاشت القسم الأكبر من حياتها فيها. وقد حرمتها الحرب من رؤية أهلها، و أدت إلى التفكك العائلي.
أرجعت الحرب لبنان إلى الوراء سنوات عدّة، بعد أن كان يضاهي دول أوروبا، فقلّت فرص العمل فيه، ما اضطر أبناءه للهجرة. وكانت نتيجة ذلك خسارته لطاقاته واستغلالها في دول المهجر.
لم تهاجر من لبنان بسبب عدم توفّر الإمكانيات للسفر، وكان الجبل الخيار الوحيد لها للهرب من القصف. -
أوجه الحرب الإيجابية
ما تذكره بإيجابية عن الحرب هو الفترة التي مكثت فيها في الجبل عندما تهجروا إليه وما شعرت به من فرح حين غصت القرية بالشباب والصبايا.
تشير إلى حبّ اللبنانيين للحياة وانتظارهم فترة هدوء القصف لمدة تتخطّى الأسبوعين من أجل متابعة حياتهم بشكل طبيعي والسهر والاستمتاع بالحياة. -
نجت لأنها استطاعت الهرب
تقول إنّ مشكلة لبنان الأولى هي الزعماء، وإذا تُرك اللبنانيين فسيعيشون معاً بسلام.
اليوم تحمد الله على نجاتها وبقائها على قيد الحياة، وذلك لأنها استطاعت الهرب، فكثيرون تعرضوا للأذى بسبب عدم استطاعتهم الهرب.
الخلاصة التي وصلت إليها هي أن الحرب بشعة وتعني الدمار والهجرة وكل ما هو قبيح.